:!: الســــلآم عليــكـــم :!:
قصه أعجبتنـي لتـأديــب النفـــس والقســوة عليهـآآ بمـآآ يرضــي الله
--------------------------------❀--✿--❀--
أخي الحبيب
هذه مغامرة ليلية قام بها أحد الشباب لأحد المقابر تجول داخلها ورقد في أحد قبورها
إن لم تكن متفرغ ذهنيا ومستعد جسديا لقراءتها غادر متصحفي
وعاود الدخول فيه في وقت تكون في قمة الروقان
وفي ساعة سكون وهدوء ، حاول أثناء القراءة أن تتقمص أحاسيس مغامرنا
مغامرة
ليست مخيفة ولكنها جميلة وذات عظة أتمنى أن تجدوا منها كل فائدة
إليكم أحداثها
7
7
7
7
7
7
7
كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري رحمه الله ، حيث كان لديه قبراً في منزله ، يرقد فيه ،
وإذا رقد فيه نادى ( رب ارجعون .. رب ارجعون ) ثم يقوم وهو ينفض التراب من ثيابه
ويقول: ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
مرت عليَّ فترةٌ ، تهاونت وضيعت فيها صلاة الفجر ..
وهذه الصلاة من كان يحافظ عليها ثم تهاون فيها ، سيشعر بضيقة شديدة كل يومه ،
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني ..
فقلت لابد وأن في الأمر شيء .. ثم تكرر للمرة الثالثة على التوالي ....!
هنا كان لابد لي من الوقوف مع النفس وقفة حازمة ،
--------------------------------❀--✿--❀--
قررت أن أدخل القبر أؤدب نفسي وأردعها ،
وأن ُأعلمها أن هذا إلى يوم البعث مرقدها ،
فكرت في قراري هذا ، ...أن لا أدع الأمر هذا ،
وجلست أٌسَوِّفُ في أمري ،
حتى ضاعت صلاة الفجرِ مرة أخرى،
حينها صرخت : كفى يا نفسُ !....كفى
وأقسمت بالله في ليلتي هذه أن أقوم بهذا الأمر .
لتأديبها حتى لا تُدَيْدِنْ على مثل هذه الأمور
فتروحَ بي إلى الظلمات .
وحتى لا يراني أحد ، خرجت في منتصف الليل ، قاصدا المقبرة وعند الوصول إليها
وقفت متفكرا ، هل أدخل من الباب ؟
لا لا ... ، لأني حينها سأوقظ حارس المقبرة ..! ،
و إن أيقظته لعله يقول لي تعالَ من الغد ..!
أو يمنعني ، وحينها يضيع قسمي ..!
لا .. لا .. لن أطرق الباب !
لذا من الأفضل وحتى لا يضيع عليّ الوقت ، سأتسلق الجدار !
نعم قررت أن أتسلق السور..!
فرفعت ثوبي وبعمامتي تلثمت ، واستعنت بالله وصعدت ،
وبالرغم من كثرة ترددي إلى هذه المقبرة كمشيع ،
إلا أنني أحسست بأنني أراها لأول مرة ،
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة ، .....إلا أنني أكاد أقسم أني ما رأيت أشد منها سواداً ،
ظلمة حالكة ، وسكون رهيب ، وخشوع مطبق ...هذا هو بحق صمت القبور !
--------------------------------❀--✿--❀--
صعدت السور ، وتأملت كثيراً ، في شكلها من الأعلى
استـنشقت هوائها ،.... نعم إنها رائحة القبور !
أميزها من ألف رائحة ، رائحة الحنوط ، رائحة بها ذكرى الموت ،
جلست متفكرا للحظات مرت كسنين ،
إييييييييه يا قبر ،
ما أشد صمتك والأنين !.....ما أشد ما تخفيه ،
سرور ونعيمْ ، عذابٌ وأليمْ !،
ماذا سيخبرني أهلك يا قبر ، لو حدثوني ؟
لعلهم سيقولون قول الحبيب المصطفى "صلى الله عليه وسلم":
( الصلاةُ الصلاةُ ، وما ملكت أيمانكم )
قررت أن أقفز حتى لا يراني أحد بهذه الحالة ، وأقع في مصيبة ،
مع يقيني أنه لا مصيبة بعد مصيبة ضياع صلاة الفجر مرات عديدة
--------------------------------❀--✿--❀--
قفزت داخل المقبرة ، وبقيت في صمت وسكون ،
أحسست حينها رعشة وفزةً في الخفوق ، اقتربت ملتصقا بالجدار ،
لا أدري... أأبحث عن مأمن ؟....أم ماذا.. ؟
عللت ذلك لنفسي أنه رهبة المرور فوق القبور ،
فأنا لست جباناً أنا شديد !.....ولكن هنا شعرت بالخوف حتماً وأكيد !
نظرت إلى الناحية الشرقية التي بها القبور المفتوحة تنتظر ساكنها الجديد ،
أظنها تناديني ،
يا هذا مشتاقة إلى جسدك ، متى ستكون في لحدك ؟
بدأ الخوف ينتابني ، وأنا أمشي محاذراً بين القبور ،
مشيت أبحث القبر الذي سأؤوي إليه ،
وكلما تجاوزت قبراً مغلقاً سئلت القبر ياقبر أساكنك شقي أم سعيد ؟
لما شقي ؟!
أضيّع الصلاة ؟....أم من أهل الطرب و الغناء ؟...أو كان من أهل الزنا والبغاء ؟
آآآآآآه
لعل صاحب القبر امرأة سَعُدَتْ
سَعُدَتْ ........ نعم سَعُدَتْ
لما سعدت ؟!
ألأنها صلت فرضها وأطاعت ربها ؟....
أم لأنها صانت فرجها وحفظت زوجها ؟ .....
سَعُدَتْ ....
لأنها عرفت قدرها وعملت لغاية ربها من خلقها ،
فلم تجاهر بعلاقات مفضوحة ولا بنزوات مشبوه ،
ولم تعر ذئب سوق اهتمامها ولم يشد عواء نت قلبها وسمعها ،
ففازت بحب أهلها ورضا ربها
آآآه
لعل من تجاوزت قبره الآن ، كان يظن نفسه أشد أهل الأرض قوة ،
وأن شبابه لن يفنى ، أو أنه لن يموت كمن مات قبله ،
أم أنه كان يقول : ما زال في العمر بقية ،
لا إله إلا الله .....سبحان من قـهـر الخلق بالموتِ
--------------------------------❀--✿--❀--
القبور يميني وشمالي ، تحيط بي ُأناظرها ،
أبصرت الممر أمامي فقصدته ، وما أن وصلت إليه ، ووضعت قدمي عليه ، حتى ازدادت
بالسرعة نبضات قلبي ، ورعشة جسدي ،
وبدأت خطواتي ، كأنها تحمل أثقالا ، أين سرعتها المعهودة ؟
ما أثقلهما الآن ،
تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً ،
لأنني أعلم ما ينتظرني هناك ، اعلم ، فقد رأيت القبر كثيرا ، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً ،
هذا
وأنا باختياري قد أتيت ، فكيف لو حملوني بنعشي فشكيت ،
أفكار عجيبة ، همهمة جليّة ، أسمعها مخيفة ، وكأن شخصاً خلف أذني ،
خفت أن أنظر خلفي ، فأرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد ،
خيالات .. نعم ..... خيالات سوداء ،
آآه ..... بالتأكيد أنها وسوسة الشيطان ،
لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعة ،
أخيراً .. أبصرت القبور المفتوحة ، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها ظلمة ،
كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟
بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟... وأي شيء ينتظرني في الأسفل ؟
فكرت الإكتفاء بالوقوف وأن أصوم ثلاثة أيام تكفيرٌ لقسمي ،
لا.. ولكن .... لا لا ... لن أصل إلى هنا ثم أعود .. يجب أن أكمل ،
ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة ... بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي ،
ما أشد ظلمته .. وما أشد ضيقه ...،
كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنان ، سبحان الله ،
يبدو أن الطقس قد ازداد برودة .. أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر ،
هل هذا صوت الريح ؟ أم خُيّل إلي ؟
ليس ريحاً ... هي وسوسة أخرى !
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ... ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض
فجلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب ،
إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً ،
سبحان الله نسعى لكي نحصل على كل شيء ،
وهذه هي النهاية : لا شيء ،
كم تنازعنا في الدنيا ؟
اغتبنا وتشاجرنا ، وللصلاة تركنا ولسماع الغناء على القران آثرنا ،
والكارثة أننا نوقن هذا المصير ، وقد حُذّرنا منه ،
....... فقط .......
تجاهل وتقصير ،
--------------------------------❀--✿--❀--
أشحت بوجهي ناحية القبور ، وناديت بصوت خافت مقهور ،
تردد في أُذني صوتـي ينادي :
يا أهل القبور .. مالكم ؟
أين أصواتكم ؟
أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟
أين أموالكم ؟
أخبروني كيف هو الحساب ؟
أخبروني عن ضمة القبر ، أتكسر الأضلاع ؟
أخبروني عن منكر و نكير وحالكم مع الدود ؟
سبحان الله نغضب إذا قدم لنا أهلنا الطعام بارد ، أو كان الملح زائد ، فأفسد شهيتـنا ،
واليوم ....نحن الطعام...نحن الغذاء لغيرنا.....
لا إله إلا الله
لابد من النـزول إلى القبر ، توكلت على الله ،
نزلت برجلي اليمين ، وفرشت عمامتي ،
وضعت رأسي وأنا أفكر ، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟
ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة ؟
نمت على جنبي الأيمن وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي ، حتى تزول هذه الرعشة من الجسد ،
ما أشده من موقف وأنا حي ، كيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد هو بجانبي ، والله لا أرى شيئاً غير سواد الظلام ،
يا للعجب !
فبرغم أن القبر مسدود من الداخل إلا أنه يأتيني تيار من الهواء البارد ،
لا أدري هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟
خفت أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلي تماماً ،
حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد فأنا في وضع لا أملك من الشجاعة أن أخاطر ،
وأرى أياً من هذه المناظر ، رغم علمي أن اللحد خالياً ،
لكن مخاوفي تكفي حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه ،
--------------------------------❀--✿--❀--
تخيلت ملك الموت ،تخيلت جسدي عند نزوع الروح ،
عند لباس الموت والجسد يرتجف بقوة ، وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي ،
تخيلت صراخ أهلي من حولي : جيئوا بالطبيب !
أين الطبيب ؟
( فلولا إن كنـتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت أهلي والأصحاب يحملونني , وعلي يبكوني ،
تخيلتهم يركضون بي سريعاً إلى القبر ،
وأحب أصدقائي يسارع لأن يكون أول من ينزل قبري
تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع ،
يصرخ فيهم : جهزوا الطوب
،
وتخيلت أحـمد يجري ممسكاً إبريقاً من الماء ، يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب ،
تخيلت الكل يدلي بالماء على قبري ،
تخيلت شيخاً يطلب منهم: ادعوا لأخيكم فإنه الآن يُسأل ،
دعوا ،ثم رحلوا وتركوني فرداً وحيداً ،
تذكرت قول الله تعالى
( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ....)
نعم صدق الله تركت زوجتي ، فارقت أبنائي ، تخليّت عن مالي ، أو هو تخلى عني .
--------------------------------❀--✿--❀--
تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً .. ظهروا بأصوات مفزعة .. وأشكال مخيفة ..
ينادي بعضهم بعضاً : أهو العبد العاصي ؟
فيقول الآخر : نعم !
فيقال : أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر ؟
فيجيبه الآخر : بل محمول إلينا ليس له مفر ،
فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام ،
.... حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزوني بعنف قائلين : ما غرك بربك الكريم ؟
ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة ؟
ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار ؟
أهي الدنيا ؟ ..........أمَا كنت تعلم أنها دار فناء ؟
أهي الشهوات ؟.......أمَا تعلم أنها إلى زوال؟
أم هو الشيطان ؟.......أمَا علمت أنه لك عدو مبين ؟
َأمِثْلُكَ يعصى الجبار والرعد يُسُبِّحُ بحمده والملائكة من خيفته !
لا نجاة لك منَّا اليوم !...اصرخ ليس لصراخك مجيب !...ابكي ليس لبكائك عندنا شفيع !
جلست اصرخ رب ارجعون ... رب ارجعون ...،
وكأني بصوت يهز القبر والكون ... يملأني يئساً ويقول:
( كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
بكيت وبكى صدري وحلقي ،
--------------------------------❀--✿--❀--
وفجأة تذكرت أني على قيد الحياة ، ثم قلت : الحمد لله رب العالمين ، مازال هناك وقت للتوبة ،
استغفر الله العظيم وأتوب إليه ... استغفر الله العظيم وأتوب إليه.... استغفر الله العظيم وأتوب إليه
ثم قمت مكسورة ً نفسي ... قد عرفت قدري ..وظهر لي ضعفي ،
أخذت عمامتي ونفضت عنها ما بقى من تراب القبر ،
وعدت أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم
( عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به )
فصرخت
إلا صلاتي ، لن أضيعها ، لن أضيعها ، لن أضيعها ،
بإذن الله ،
اللهم وفقنا إلى حسن العمل والقبول لديك ، اللهم نسألك صلاح النية والذرية
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم أحسن خاتمتنا وتوفنا وأنت راضيٍ عنا ،
اللهم أجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران
ولـو إنـا إذا مِتـنا تُركـنا
لـكـان الموتُ راحـةَ كل ِحـي ٍ
ولكِنا إذا مِـتـنـا بُعِـثـنـا
ونُسألُ بـعـدها عن كُـل ِشـي
..
تحياتي
قصه أعجبتنـي لتـأديــب النفـــس والقســوة عليهـآآ بمـآآ يرضــي الله
--------------------------------❀--✿--❀--
أخي الحبيب
هذه مغامرة ليلية قام بها أحد الشباب لأحد المقابر تجول داخلها ورقد في أحد قبورها
إن لم تكن متفرغ ذهنيا ومستعد جسديا لقراءتها غادر متصحفي
وعاود الدخول فيه في وقت تكون في قمة الروقان
وفي ساعة سكون وهدوء ، حاول أثناء القراءة أن تتقمص أحاسيس مغامرنا
مغامرة
ليست مخيفة ولكنها جميلة وذات عظة أتمنى أن تجدوا منها كل فائدة
إليكم أحداثها
7
7
7
7
7
7
7
كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري رحمه الله ، حيث كان لديه قبراً في منزله ، يرقد فيه ،
وإذا رقد فيه نادى ( رب ارجعون .. رب ارجعون ) ثم يقوم وهو ينفض التراب من ثيابه
ويقول: ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
مرت عليَّ فترةٌ ، تهاونت وضيعت فيها صلاة الفجر ..
وهذه الصلاة من كان يحافظ عليها ثم تهاون فيها ، سيشعر بضيقة شديدة كل يومه ،
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني ..
فقلت لابد وأن في الأمر شيء .. ثم تكرر للمرة الثالثة على التوالي ....!
هنا كان لابد لي من الوقوف مع النفس وقفة حازمة ،
--------------------------------❀--✿--❀--
قررت أن أدخل القبر أؤدب نفسي وأردعها ،
وأن ُأعلمها أن هذا إلى يوم البعث مرقدها ،
فكرت في قراري هذا ، ...أن لا أدع الأمر هذا ،
وجلست أٌسَوِّفُ في أمري ،
حتى ضاعت صلاة الفجرِ مرة أخرى،
حينها صرخت : كفى يا نفسُ !....كفى
وأقسمت بالله في ليلتي هذه أن أقوم بهذا الأمر .
لتأديبها حتى لا تُدَيْدِنْ على مثل هذه الأمور
فتروحَ بي إلى الظلمات .
وحتى لا يراني أحد ، خرجت في منتصف الليل ، قاصدا المقبرة وعند الوصول إليها
وقفت متفكرا ، هل أدخل من الباب ؟
لا لا ... ، لأني حينها سأوقظ حارس المقبرة ..! ،
و إن أيقظته لعله يقول لي تعالَ من الغد ..!
أو يمنعني ، وحينها يضيع قسمي ..!
لا .. لا .. لن أطرق الباب !
لذا من الأفضل وحتى لا يضيع عليّ الوقت ، سأتسلق الجدار !
نعم قررت أن أتسلق السور..!
فرفعت ثوبي وبعمامتي تلثمت ، واستعنت بالله وصعدت ،
وبالرغم من كثرة ترددي إلى هذه المقبرة كمشيع ،
إلا أنني أحسست بأنني أراها لأول مرة ،
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة ، .....إلا أنني أكاد أقسم أني ما رأيت أشد منها سواداً ،
ظلمة حالكة ، وسكون رهيب ، وخشوع مطبق ...هذا هو بحق صمت القبور !
--------------------------------❀--✿--❀--
صعدت السور ، وتأملت كثيراً ، في شكلها من الأعلى
استـنشقت هوائها ،.... نعم إنها رائحة القبور !
أميزها من ألف رائحة ، رائحة الحنوط ، رائحة بها ذكرى الموت ،
جلست متفكرا للحظات مرت كسنين ،
إييييييييه يا قبر ،
ما أشد صمتك والأنين !.....ما أشد ما تخفيه ،
سرور ونعيمْ ، عذابٌ وأليمْ !،
ماذا سيخبرني أهلك يا قبر ، لو حدثوني ؟
لعلهم سيقولون قول الحبيب المصطفى "صلى الله عليه وسلم":
( الصلاةُ الصلاةُ ، وما ملكت أيمانكم )
قررت أن أقفز حتى لا يراني أحد بهذه الحالة ، وأقع في مصيبة ،
مع يقيني أنه لا مصيبة بعد مصيبة ضياع صلاة الفجر مرات عديدة
--------------------------------❀--✿--❀--
قفزت داخل المقبرة ، وبقيت في صمت وسكون ،
أحسست حينها رعشة وفزةً في الخفوق ، اقتربت ملتصقا بالجدار ،
لا أدري... أأبحث عن مأمن ؟....أم ماذا.. ؟
عللت ذلك لنفسي أنه رهبة المرور فوق القبور ،
فأنا لست جباناً أنا شديد !.....ولكن هنا شعرت بالخوف حتماً وأكيد !
نظرت إلى الناحية الشرقية التي بها القبور المفتوحة تنتظر ساكنها الجديد ،
أظنها تناديني ،
يا هذا مشتاقة إلى جسدك ، متى ستكون في لحدك ؟
بدأ الخوف ينتابني ، وأنا أمشي محاذراً بين القبور ،
مشيت أبحث القبر الذي سأؤوي إليه ،
وكلما تجاوزت قبراً مغلقاً سئلت القبر ياقبر أساكنك شقي أم سعيد ؟
لما شقي ؟!
أضيّع الصلاة ؟....أم من أهل الطرب و الغناء ؟...أو كان من أهل الزنا والبغاء ؟
آآآآآآه
لعل صاحب القبر امرأة سَعُدَتْ
سَعُدَتْ ........ نعم سَعُدَتْ
لما سعدت ؟!
ألأنها صلت فرضها وأطاعت ربها ؟....
أم لأنها صانت فرجها وحفظت زوجها ؟ .....
سَعُدَتْ ....
لأنها عرفت قدرها وعملت لغاية ربها من خلقها ،
فلم تجاهر بعلاقات مفضوحة ولا بنزوات مشبوه ،
ولم تعر ذئب سوق اهتمامها ولم يشد عواء نت قلبها وسمعها ،
ففازت بحب أهلها ورضا ربها
آآآه
لعل من تجاوزت قبره الآن ، كان يظن نفسه أشد أهل الأرض قوة ،
وأن شبابه لن يفنى ، أو أنه لن يموت كمن مات قبله ،
أم أنه كان يقول : ما زال في العمر بقية ،
لا إله إلا الله .....سبحان من قـهـر الخلق بالموتِ
--------------------------------❀--✿--❀--
القبور يميني وشمالي ، تحيط بي ُأناظرها ،
أبصرت الممر أمامي فقصدته ، وما أن وصلت إليه ، ووضعت قدمي عليه ، حتى ازدادت
بالسرعة نبضات قلبي ، ورعشة جسدي ،
وبدأت خطواتي ، كأنها تحمل أثقالا ، أين سرعتها المعهودة ؟
ما أثقلهما الآن ،
تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً ،
لأنني أعلم ما ينتظرني هناك ، اعلم ، فقد رأيت القبر كثيرا ، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً ،
هذا
وأنا باختياري قد أتيت ، فكيف لو حملوني بنعشي فشكيت ،
أفكار عجيبة ، همهمة جليّة ، أسمعها مخيفة ، وكأن شخصاً خلف أذني ،
خفت أن أنظر خلفي ، فأرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد ،
خيالات .. نعم ..... خيالات سوداء ،
آآه ..... بالتأكيد أنها وسوسة الشيطان ،
لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعة ،
أخيراً .. أبصرت القبور المفتوحة ، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها ظلمة ،
كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟
بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟... وأي شيء ينتظرني في الأسفل ؟
فكرت الإكتفاء بالوقوف وأن أصوم ثلاثة أيام تكفيرٌ لقسمي ،
لا.. ولكن .... لا لا ... لن أصل إلى هنا ثم أعود .. يجب أن أكمل ،
ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة ... بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي ،
ما أشد ظلمته .. وما أشد ضيقه ...،
كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنان ، سبحان الله ،
يبدو أن الطقس قد ازداد برودة .. أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر ،
هل هذا صوت الريح ؟ أم خُيّل إلي ؟
ليس ريحاً ... هي وسوسة أخرى !
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ... ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض
فجلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب ،
إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً ،
سبحان الله نسعى لكي نحصل على كل شيء ،
وهذه هي النهاية : لا شيء ،
كم تنازعنا في الدنيا ؟
اغتبنا وتشاجرنا ، وللصلاة تركنا ولسماع الغناء على القران آثرنا ،
والكارثة أننا نوقن هذا المصير ، وقد حُذّرنا منه ،
....... فقط .......
تجاهل وتقصير ،
--------------------------------❀--✿--❀--
أشحت بوجهي ناحية القبور ، وناديت بصوت خافت مقهور ،
تردد في أُذني صوتـي ينادي :
يا أهل القبور .. مالكم ؟
أين أصواتكم ؟
أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟
أين أموالكم ؟
أخبروني كيف هو الحساب ؟
أخبروني عن ضمة القبر ، أتكسر الأضلاع ؟
أخبروني عن منكر و نكير وحالكم مع الدود ؟
سبحان الله نغضب إذا قدم لنا أهلنا الطعام بارد ، أو كان الملح زائد ، فأفسد شهيتـنا ،
واليوم ....نحن الطعام...نحن الغذاء لغيرنا.....
لا إله إلا الله
لابد من النـزول إلى القبر ، توكلت على الله ،
نزلت برجلي اليمين ، وفرشت عمامتي ،
وضعت رأسي وأنا أفكر ، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟
ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة ؟
نمت على جنبي الأيمن وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي ، حتى تزول هذه الرعشة من الجسد ،
ما أشده من موقف وأنا حي ، كيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد هو بجانبي ، والله لا أرى شيئاً غير سواد الظلام ،
يا للعجب !
فبرغم أن القبر مسدود من الداخل إلا أنه يأتيني تيار من الهواء البارد ،
لا أدري هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟
خفت أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلي تماماً ،
حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد فأنا في وضع لا أملك من الشجاعة أن أخاطر ،
وأرى أياً من هذه المناظر ، رغم علمي أن اللحد خالياً ،
لكن مخاوفي تكفي حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه ،
--------------------------------❀--✿--❀--
تخيلت ملك الموت ،تخيلت جسدي عند نزوع الروح ،
عند لباس الموت والجسد يرتجف بقوة ، وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي ،
تخيلت صراخ أهلي من حولي : جيئوا بالطبيب !
أين الطبيب ؟
( فلولا إن كنـتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت أهلي والأصحاب يحملونني , وعلي يبكوني ،
تخيلتهم يركضون بي سريعاً إلى القبر ،
وأحب أصدقائي يسارع لأن يكون أول من ينزل قبري
تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع ،
يصرخ فيهم : جهزوا الطوب
،
وتخيلت أحـمد يجري ممسكاً إبريقاً من الماء ، يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب ،
تخيلت الكل يدلي بالماء على قبري ،
تخيلت شيخاً يطلب منهم: ادعوا لأخيكم فإنه الآن يُسأل ،
دعوا ،ثم رحلوا وتركوني فرداً وحيداً ،
تذكرت قول الله تعالى
( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ....)
نعم صدق الله تركت زوجتي ، فارقت أبنائي ، تخليّت عن مالي ، أو هو تخلى عني .
--------------------------------❀--✿--❀--
تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً .. ظهروا بأصوات مفزعة .. وأشكال مخيفة ..
ينادي بعضهم بعضاً : أهو العبد العاصي ؟
فيقول الآخر : نعم !
فيقال : أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر ؟
فيجيبه الآخر : بل محمول إلينا ليس له مفر ،
فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام ،
.... حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزوني بعنف قائلين : ما غرك بربك الكريم ؟
ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة ؟
ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار ؟
أهي الدنيا ؟ ..........أمَا كنت تعلم أنها دار فناء ؟
أهي الشهوات ؟.......أمَا تعلم أنها إلى زوال؟
أم هو الشيطان ؟.......أمَا علمت أنه لك عدو مبين ؟
َأمِثْلُكَ يعصى الجبار والرعد يُسُبِّحُ بحمده والملائكة من خيفته !
لا نجاة لك منَّا اليوم !...اصرخ ليس لصراخك مجيب !...ابكي ليس لبكائك عندنا شفيع !
جلست اصرخ رب ارجعون ... رب ارجعون ...،
وكأني بصوت يهز القبر والكون ... يملأني يئساً ويقول:
( كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
بكيت وبكى صدري وحلقي ،
--------------------------------❀--✿--❀--
وفجأة تذكرت أني على قيد الحياة ، ثم قلت : الحمد لله رب العالمين ، مازال هناك وقت للتوبة ،
استغفر الله العظيم وأتوب إليه ... استغفر الله العظيم وأتوب إليه.... استغفر الله العظيم وأتوب إليه
ثم قمت مكسورة ً نفسي ... قد عرفت قدري ..وظهر لي ضعفي ،
أخذت عمامتي ونفضت عنها ما بقى من تراب القبر ،
وعدت أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم
( عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به )
فصرخت
إلا صلاتي ، لن أضيعها ، لن أضيعها ، لن أضيعها ،
بإذن الله ،
اللهم وفقنا إلى حسن العمل والقبول لديك ، اللهم نسألك صلاح النية والذرية
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم أحسن خاتمتنا وتوفنا وأنت راضيٍ عنا ،
اللهم أجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران
ولـو إنـا إذا مِتـنا تُركـنا
لـكـان الموتُ راحـةَ كل ِحـي ٍ
ولكِنا إذا مِـتـنـا بُعِـثـنـا
ونُسألُ بـعـدها عن كُـل ِشـي
..
تحياتي